الفخار المغربي: التقنيات، التقليد والحداثة
CRAFTSMANSHIP & TECHNIQUES


الحِرَفُ الخَزَفِيَّةُ المَغْرِبِيَّةُ، بِزَخَارِفِهَا الدَّقِيقَةِ وَأَلْوَانِهَا الزَّاهِيَةِ، تُجَسِّدُ إِرْثًا ثَقَافِيًّا مُمْتَدًّا لِقُرُونٍ طَوِيلَةٍ. صِنَاعَةُ الخَزَفِ فِي المَغْرِب لَيْسَتْ فَقَطْ شَكْلًا مِنْ أَشْكَالِ الفَنِّ، بَلْ تُعْتَبَرُ عُنْصُرًا أَسَاسِيًّا مِنْ الهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ لِلْبِلَادِ. سَيَتَنَاوَلُ هَذَا المَقَالُ الطُّرُقَ التَّقْلِيدِيَّةَ، الخَصَائِصَ المُتَمَيِّزَةَ، وَالتَّأْثِيرَاتِ المُعَاصِرَةَ فِي الفَخَّارِ المَغْرِبِيِّ، مُغَطِّيًا جَمِيعَ جَوَانِبِ هَذِهِ الحِرْفَةِ الجَذَّابَةِ.
1. صِنَاعَةُ السِّيرَامِيكِ المَغْرِبِيِّ: الأَسَاليبُ التَّقْلِيدِيَّةُ
يَعُودُ تَارِيخُ صِنَاعَةِ الفَخَّارِ فِي المَغْرِب إِلَى أَعْمَاقِ التَّارِيخِ، حَيْثُ تَنقُلُ الأَجْيَالُ مَهَارَاتِهَا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. الطُّرُقُ الأَكْثَرُ شُيُوعًا تَتَضَمَّنُ أَسَالِيبَ التَّشْكِيلِ بِالْيَدِ، مِثْلَ اللَّفِّ وَالقَرْصِ، حَيْثُ يَشَكِّلُ الحِرَفِيُّونَ الطِّينَ يَدَوِيًّا بَدَلًا مِنَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَّاسَةِ. فَالتِّقْنِيَةُ القَائِمَةُ عَلَى اللَّفِّ تَعْتَمِدُ عَلَى إِنْتَاجِ أَشْرِطَةٍ طِينِيَّةٍ رَفِيعَةٍ وَطَوِيلَةٍ وَرَصِّهَا بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ لِبِنَاءِ الشَّكْلِ المَرْغُوبِ، فِيمَا تَعْتَمِدُ طَرِيقَةُ القَرْصِ عَلَى تَشْكِيلِ الطِّينِ بِالأَصَابِعِ.
فِي كَثِيرٍ مِنَ المَنَاطِقِ، يَسْتَعْمِلُ الخَزَّافُونَ أَدَوَاتٍ بَسِيطَةً مِثْلَ المَضَارِبِ الخَشَبِيَّةِ وَالأَحْجَارِ لِتَحْسِينِ صَنْعَتِهِم. وَبَعْدَ التَّشْكِيلِ، يُتْرَكُ الطِّينُ لِيَجِفَّ تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ لِمَنْعِ تَشَقُّقِهِ أَثْنَاءَ الحَرْقِ. عَمَلِيَّةُ الحَرْقِ تَتِمُّ فِي أَفْرَانٍ تَقْلِيدِيَّةٍ أَوْ فِي حُفَرٍ مَفْتُوحَةٍ، وَذَلِكَ وَفْقًا لِخُصُوصِيَّةِ المِنْطَقَةِ وَنَوْعِ الفَخَّارِ المُنْتَجِ.
2. الفُرُوقُ بَيْنَ الفَخَّارِ المَغْرِبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ دُوَلِ شِمَالِ أَفْرِيقِيَا
رَغْمَ أَنَّ الفَخَّارَ المَغْرِبِيَّ يُشَارِكُ نَظِيرَهُ فِي دُوَلِ الجِوَارِ فِي بَعْضِ الخَصَائِصِ، إِلَّا أَنَّهُ يَمْتَازُ بِزَخَارِفِهِ وَأَلْوَانِهِ الفَاقِعَةِ. التَّصَامِيمُ الجِيُومِتْرِيَّةُ، النُّقُوشُ الطَّبِيعِيَّةُ مِثْلَ الزُّهُورِ وَالأَوْرَاقِ وَالنُّجُومِ، وَالأَلْوَانُ الزَّاهِيَةُ هِيَ مِيزَتُهُ الأَكْبَرُ.
فِي المُقَابِلِ، يَتَّسِمُ الفَخَّارُ التُّونِسِيُّ بِأَلْوَانٍ أَكْثَرَ هُدُوءًا وَزَخَارِفَ دَقِيقَةٍ، بَيْنَمَا يَتَّجِهُ الفَخَّارُ الجَزَائِرِيُّ إِلَى تَصَامِيمَ أَكْثَرَ تَجْرِيدًا وَأَشْكَالٍ أَكْثَرَ تَنَوُّعًا.
3. أَنْوَاعُ الطِّينِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي الفَخَّارِ المَغْرِبِيِّ
يَخْتَلِفُ نَوْعُ الطِّينِ المُسْتَخْدَمِ حَسَبَ المَنَاطِقِ. يُعْتَبَرُ الطِّينُ الأَحْمَرُ، وَالْمَوْجُودُ بِكَثْرَةٍ فِي مَنَاطِقِ فَاسٍ وَالصُّوَّيْرَةِ وَآسَفِي، الأَكْثَرَ قِيمَةً لِمَرُونَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي صُنْعِ الأَوَانِي الكَبِيرَةِ كَالجَرَارِ وَالأَوَانِي المَطْبَخِيَّةِ. أَمَّا الطِّينُ البُنِّيُّ، فَيُسْتَخْدَمُ فِي صِنَاعَةِ القِطَعِ الزِّينِيَّةِ لِنَعُومَتِهِ.
وَفِي بَعْضِ المَنَاطِقِ، يُخْلَطُ الطِّينُ بِمَوَادٍّ مِثْلَ الرِّمْلِ أَوْ شُظَايَا الفَخَّارِ المُحْتَرِقِ لِزِيَادَةِ صَلَابَتِهِ وَتَحَمُّلِهِ.
4. الأَشْكَالُ الرَّئِيسِيَّةُ لِلْفَخَّارِ المَغْرِبِيِّ
تَتَعَدَّدُ أَشْكَالُ الفَخَّارِ وَأَنْوَاعُهُ وَتُسْتَعْمَلُ كُلُّ فِئَةٍ لِغَرَضٍ مُعَيَّنٍ:
الطَّاجِين: إِنَاءٌ طَبَخِيٌّ مَغْرِبِيٌّ أَصِيلٌ بِقَاعٍ عَرِيضٍ وَغِطَاءٍ مَخْرُوطِيٍّ، مُخَصَّصٌ لِلطَّهْيِ البَطِيءِ.
الزَّلِيج: بَلَاطٌ زُخْرُفِيٌّ لِلْمَسَاجِدِ وَالقُصُورِ، يَتَمَيَّزُ بِأَلْوَانِهِ الزَّاهِيَةِ وَتَصَامِيمِهِ الجِيُومِتْرِيَّةِ.
الأَكْوَابُ وَالأَطْبَاقُ: لِلاِسْتِعْمَالِ اليَوْمِيِّ، وَتَحْمِلُ غَالِبًا زَخَارِفَ بَهِيجَةً.
المَزَاهِرُ وَالجِرَارُ: لِلزِّينَةِ وَالاِسْتِعْمَالِ العَمَلِيِّ، وَتَتَزَيَّنُ بِنُقُوشٍ دَقِيقَةٍ وَطِلَاءَاتٍ بَرَّاقَةٍ.
5. طُرُقُ التَّزْيِينِ التَّقْلِيدِيَّةُ
تَشْتَهِرُ الأَوَانِي المَغْرِبِيَّةُ بِزَخَارِفِهَا وَأَلْوَانِهَا المُبْهِرَةِ، وَمِنْ أَهَمِّ أَسَالِيبِهَا:
التَّزْجِيج: طِلَاءُ الأَوَانِي بِأَلْوَانٍ زَاهِيَةٍ قَبْلَ حَرْقِهَا، كَالأَزْرَقِ وَالأَخْضَرِ وَالأَصْفَرِ وَالأَحْمَرِ.
الرَّسْمُ اليَدَوِيُّ: نَقْشُ الأَشْكَالِ الجِيُومِتْرِيَّةِ وَالوُرُودِ وَالنُّقُوشِ الدَّقِيقَةِ بِأَيْدِي الحِرَفِيِّينَ.
الحَفْرُ (النَّقْشُ الغَائِرُ): نَحْتُ التَّصَامِيمِ فِي الطِّينِ قَبْلَ الحَرْقِ لِإِضْفَاءِ عُمْقٍ وَإِحْسَاسٍ بِالأَبْعَادِ.
6. أَهَمِّيَّةُ الفَخَّارِ فِي الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ
الفَخَّارُ فِي المَغْرِب لَيْسَ فَقَطْ حِرْفَةً، بَلْ جُزْءٌ أَسَاسِيٌّ مِنْ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ. يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّهْيِ وَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ وَتَزْيِينِ المَنَازِلِ، كَمَا يُسْتَخْدَمُ فِي الاِحْتِفَالَاتِ.
فَالطَّاجِينُ يُعْتَبَرُ رَمْزًا لِلْمَطْبَخِ المَغْرِبِيِّ، وَالبَلَاطُ الزَّلِيجِيُّ يُزَيِّنُ المَسَاجِدَ وَالمُدُنَ التَّارِيخِيَّةَ. كَمَا تُعْتَبَرُ صِنَاعَةُ الفَخَّارِ نَشَاطًا جَمَاعِيًّا فِي الأَسْوَاقِ وَالمَشَاغِلِ، مِمَّا يُسَاهِمُ فِي تَوْثِيقِ الوِرَاثَةِ الثَّقَافِيَّةِ.
7. مَرَاحِلُ صِنَاعَةِ الفَخَّارِ
تَمُرُّ العَمَلِيَّةُ بِعِدَّةِ مَرَاحِلَ:
تَحْضِيرُ الطِّينِ: مَزْجُهُ بِالمَاءِ وَتَنْقِيَتُهُ.
التَّشْكِيلُ: بِاليَدِ أَوْ عَجَلَةِ الفَخَّارِيِّ.
التَّجْفِيفُ: وَضْعُهُ فِي الظِّلِّ لِأَيَّامٍ.
الحَرْقُ: فِي أَفْرَانٍ أَوْ نِيرَانٍ مَفْتُوحَةٍ.
التَّزْجِيجُ وَالتَّزْيِينُ: طِلَاؤُهُ وَحَرْقُهُ مَرَّةً أُخْرَى.
8. أَشْهَرُ مَنَاطِقِ الفَخَّارِ فِي المَغْرِبِ
فَاس: مَشْهُورَةٌ بِالزَّلِيجِ وَالتَّصَامِيمِ المُعَقَّدَةِ.
آسَفِي: مَعْرُوفَةٌ بِالفَخَّارِ الأَزْرَقِ وَالأَبْيَضِ وَالأَوَانِي الكَبِيرَةِ.
مَرَّاكُش: تَشْتَهِرُ بِالفَخَّارِ ذِي الطِّينِ الأَحْمَرِ وَالأَلْوَانِ الزَّاهِيَةِ.
9. أَثَرُ التِّقْنِيَاتِ الحَدِيثَةِ
أَدْخَلَتِ التِّقْنِيَاتُ الحَدِيثَةُ تَطَوُّرَاتٍ مِثْلَ الأَفْرَانِ الكَهْرَبَائِيَّةِ وَطُرُقِ التَّزْجِيجِ المُتَقَدِّمَةِ، مِمَّا زَادَ مِنْ دِقَّةِ وَجَوْدَةِ الإِنْتَاجِ. وَمَعَ ذَلِكَ، لَا يَزَالُ الكَثِيرُ مِنَ الحِرَفِيِّينَ مُتَمَسِّكِينَ بِالأَسَالِيبِ التَّقْلِيدِيَّةِ لِلحِفَاظِ عَلَى الأَصَالَةِ.
10. الأَدَوَاتُ وَالمَوَادُّ المُسْتَخْدَمَةُ
أَدَوَاتُ التَّشْكِيلِ: مِضَارِبُ خَشَبِيَّةٌ، أَحْجَارٌ، وَأَدَوَاتُ قَطْعٍ.
مَوَادُّ التَّزْجِيجِ: مَعَادِنُ وَصَبْغَاتٌ طَبِيعِيَّةٌ مَحَلِّيَّةُ المَصْدَرِ
الأَفْرَانُ: مِنَ الأَفْرَانِ التَّقْلِيدِيَّةِ إِلَى الكَهْرَبَائِيَّةِ وَالغَازِيَّةِ.
الخُلاصَةُ
الفَخَّارُ المَغْرِبِيُّ فَنٌّ حَيٌّ وَمُتَجَدِّدٌ يُجَسِّدُ التُّرَاثَ وَالإِبْدَاعَ المَغْرِبِيَّ. وَمِنْ خِلَالِ مَزْجِ الطُّرُقِ التَّقْلِيدِيَّةِ بِالتَّأْثِيرَاتِ المُعَاصِرَةِ، يُعْتَبَرُ مَصْدَرَ إِلْهَامٍ وَإِعْجَابٍ، وَيُبْرِزُ المَهَارَةَ وَالإِبْدَاعَ المَطْلُوبَيْنِ لِإِنْتَاجِ هَذِهِ التُّحَفِ العَمَلِيَّة